إذا ما أردت أن تصف جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم حفظه الله ورعاه في كلمات بسيطة فلن يسعك إلا أن تقول إنه باني نهضة عمان وقائد مسيرة التنمية التي نشرت الرخاء والأمن في كافة ربوع السلطنة. منذ توليه مقاليد الحكم في 23 يوليو 1970 سعى جلالته إلى النهوض بالسلطنة في مختلف المجالات وتحويلها إلى دولة عصرية مكتملة الأركان مسايرة لروح العصر مع الحفاظ على التقاليد الاصيلة والتراث العريق للشعب العماني.
على مدى الخمس والأربعون سنة الماضية، كان من أبرز سمات حكم جلالته تلك الصلة الوثيقة بين الحاكم ورعيته وهي الصلة المتينة التي أرسى قواعدها جلالة السلطان المعظم. طوال الفترة الماضية. كذلك جعل جلالته من الإنسان العماني محور التنمية وغايتها فعمد إلى تخصيص الموارد المطلوبة من أجل النهوض بالإنسان العماني وجعله مشاركاً بطريقة فاعلة في عملية التنمية المستدامة.
في خطاب جلالته في افتتاح الدورة الخامسة من مجلس عمان في حصن الشموخ بولاية منح بمحافظة الداخلية في 31 أكتوبر 2011، عبر جلالته عن كامل ثقته في العمانيين رجالاً ونساءً شيوخاً وشباباً وحثهم على العمل بإخلاص وتحمل مسؤولياتهم وواجباتهم بكل أمانة. كما أشار جلالته إلى أن المرحلة الثانية من مسيرة النهضة المباركة في غاية الأهمية وأنها بحاجة إلى تعاون الجميع لنحقق الغايات المنشودة والآمال المعقودة علينا جميعا.
كما تحدث جلالة السلطان المعظم عن عملية الشورى في سلطنة عمان وقال بأن الشورى العمانية تقوم على مبادئ وأسس راسخة تضمن التدرج الطبيعي لتكون استجابة حقيقية للتطورات على أرض الواقع. وأضاف جلالته بأن الهدف من الشورى العمانية هو تحقيق تطلعات وغايات المجتمع العماني وفق رؤية واضحة ومحددة المعالم وخطوات مدروسة تضمن مشاركة الجميع في عملية صنع القرار وفي تحقيق التنمية المستدامة المنشودة في كافة أنحاء السلطنة.
في إطار حديثه عن الصلاحيات التشريعية والرقابية الممنوحة إلى مجلس عمان بغرفتيه – مجلس الدولة ومجلس الشورى – عبر جلالة السلطان عن تطلعه لأن يرى مجلس عمان وهو ينتقل للأمام وجدد جلالته الالتزام بمواصلة العمل لتطوير الكوادر البشرية والإنسان العماني الذي يعتبر هو محور عملية التنمية. وقال جلالته “ لقد أكدنا دائما اهتمامنا المستمر بتنمية الموارد البشرية وذكرنا أنها تحظى بالأولوية القصوى في خططنا وبرامجنا فالإنسان هو حجر الزاوية في كل بناء تنموي وهو قطب الرحى الذي تدور حوله كل أنواع التنمية إذ إن غايتها جميعا هي إسعاده وتوفير أسباب العيش الكريم له وضمان أمنه وسلامته ولما كان الشباب هم حاضر الأمة ومستقبلها فقد أوليناهم ما يستحقونه من اهتمام ورعاية على مدار أعوام النهضة المباركة حيث سعت الحكومة جاهدة إلى إن توفر لهم فرص التعليم والتدريب والتأهيل والتوظيف. وسوف تشهد المرحلة القادمة بإذن الله اهتماما أكبر ورعاية أوفر تهيئ مزيدا من الفرص للشباب من أجل تعزيز مكتسباته في العلم والمعرفة وتقوية ملكاته في الإبداع والإنتاج وزيادة مشاركته في مسيرة التنمية الشاملة. ولما كان التعليم هو الركيزة الأساسية للتقدم والتطور ولإيجاد جيل يتحلى بالوعي والمسؤولية ويتمتع بالخبرة والمهارة ويتطلع الى مستوى معرفي أرقى وأرفع فأنه لابد من إجراء تقييم شامل للمسيرة التعليمية من أجل تحقيق تلك التطلعات والاستفادة من فرص العمل المتاحة في القطاعين العام والخاص. لقد استوعبت المشروعات العمرانية والاقتصادية والتجارية والصناعية في مختلف أرجاء السلطنة خلال المرحلة الماضية العديد من الأيدي العاملة الوطنية وأثبت القطاع الخاص تعاونه في تحمل المسؤولية حيث اضطلع بدور ملموس بالتعاون مع الحكومة في دعم جهود التنمية المستدامة ونحن نتطلع إلى دور أكبر يقوم به في المستقبل خاصة في مضمار تنمية الموارد البشرية. إننا ننظر بارتياح إلى الجهود التي قامت بها الحكومة خلال الفترة القريبة الماضية في تنفيذ ما وجهنا به نحو توظيف آلاف من أبنائنا وبناتنا في القطاعات المدنية والأمنية والعسكرية وكذلك نود أن نعبر عن استحساننا للجهود التي قام بها القطاع الخاص في هذا المجال الهام”
تعتبر حرية التعبير أيضا واحدة من الركائز الأساسية التي يقوم عليها المجتمع العماني وقد أكد جلالته على أهمية حرية التعبير عن الرأي وعلى أهمية إزالة العقبات في سبيل ذلك بما في ذلك منع فرض الرأي على الآخرين بالقوة والاعتداء على حقوق الآخرين في التعبير عن أفكارهم بحرية حيث قال جلالته “ لقد كفلت قوانين الدولة وأنظمتها لكل عماني التعبير عن رأيه والمشاركة بأفكاره البناءة في تعزيز مسيرة التطور التي تشهدها البلاد في شتى الميادين “
وأضاف جلالته “ ونحن نؤمن دائما بأهمية تعدد الآراء والأفكار وعدم مصادرة الفكر لان في ذلك دليلا على قوة المجتمع وعلى قدرته على الاستفادة من هذه الآراء والأفكار بما يخدم تطلعاته إلى مستقبل أفضل وحياة أسعد وأجمل. غير إن حرية التعبير لا تعني بحال من الأحوال قيام أي طرف باحتكار الرأي ومصادرة حرية الآخرين في التعبير عن أراءهم فذلك ليس من الديمقراطية ولا الشرع في شيء. ومواكبة العصر لا تعني فرض أي أفكار على الآخرين.
أرسى جلالة السلطان المعظم أسس الدولة العصرية والتطور الاقتصادي والاجتماعي والنهضة الثقافية الشاملة وسعى إلى تعزيز مكانة السلطنة وانطلاقها بقوة من أجل استعادة مجدها التليد. يملك جلالة السلطان المعظم رؤية واضحة ومحددة لمستقبل الشعب العماني في إطار سياقه المحلي والدولي. تعتمد الدولة العصرية على إشراك المواطنين العمانيين في صياغة وتنفيذ الخطط وبرامج التنمية الوطنية في كافة المجالات وعلى كافة المستويات. في كل الحالات كان المواطن العماني دوما على راس أولويات جلالته وكان محور خطط التنمية وغايتها وركيزتها الأساسية.
أكد جلالته في عدة مناسبات على أن أفراد المجتمع العماني قادرون على المشاركة برأيهم في صنع القرار الذي يخدم مصلحة السلطنة. في إطار الجهود المبذولة لتهيئة المواطن العماني وتأهيله للعب دور أكبر في صياغة وتنفيذ برامج التنمية الوطنية وتحقيق النهضة المطلوبة في كافة مجالات الحياة، سعى جلالته إلى إكمال وتعزيز دولة المؤسسات وبناء مؤسسة عصرية تأخذ بكل أساليب التقدم. كما سعى جلالته إلى استكمال كافة المؤسسات التي يمكن من خلالها أن تلعب المؤسسات التشريعية والقضائية والرقابية والجهات المعنية بتقديم الخدمات دورها المنوط بها بما يتماشى مع النظام الأساسي للدولة والقوانين الصادرة وتعديلاتها.
تسمح دولة المؤسسات التي بناها جلالة السلطان المعظم للفرد بأن يشارك بإيجابية في بناء وطنه وأن يعمل على تعزيز مستوى الرخاء والتقدم الذي تم إحرازه وليس أدل على ذلك من الإنجازات التي تقف شاهدة على هذا الأمر وهي شواهد حاضرة أمام العيان في كل مجال من المجالات سواء كانت تنفيذية أو تشريعية أو خدمية أو محلية. يولي جلالة السلطان المعظم أهمية كبيرة للشباب وللمرأة ولذلك ليس من الغريب أن يكون المواطن العماني هو مجر الزاوية في عملية التنمية التي تدور رحاها على أرض السلطنة وأن تتمحور حوله خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية المتعاقبة.
تعتبر معدلات التنمية التي حققتها السلطنة على مدى الفترة من 1970وحتى 2010 هي الأفضل على مستوى العالم العربي. تعتمد الاستراتيجية التي تقوم عليها السلطنة على تنويع مصادر الدخل الوطني والخفض من الاعتماد على النفط والغاز كمصدر رئيسي للدخل والاهتمام بتطوير القطاع الزراعي والصناعي والسياحي وقطاع التعدين.
أكد جلالة السلطان في العديد من المناسبات على أهمية الدور الذي يلعبه القطاع الخاص وعلى دوره المؤثر والمحوري في عملية التنمية من خلال إقامة المؤسسات التجارية والصناعية والزراعية والسياحية والاقتصادية التي تعود بالفائدة على نمو الاقتصاد الوطني وعلى تحقيق التنمية الاجتماعية. كما أكد على أهمية الدور الذي تلعبه هذه المؤسسات لتوفير فرص التدريب والتأهيل والتطوير للموارد البشرية العمانية.
وضع جلالة السلطان المعظم إطاراً واضحاً المعالم لعملية التنمية المستدامة من خلال التخطيط السليم والتفكير الشامل الذي يحقق في النهاية مسارين متلازمين هما جعل الروح الوطنية أساس لعملية البناء والتطور في كافة المجالات من خلال فتح المجال أمام العمانيين للقيام بدورهم كشركاء في عملية التنمية. سعى جلالته دوما إلى استغلال كل فرصة ممكنة من أجل مساعدة العمانيين على إبراز طاقاتهم وإبداعاتهم على كافة المستويات وفي كافة المجالات من أجل تلبية متطلبات المرحلة الحالية من عملية التنمية الشاملة. في هذا الصدد لا بد من الإشارة إلى أن الجهود التي قام بها جلالته من أجل إقامة دولة عصرية لم تكن أبدا على حساب التراث العماني الضارب في أعماق التاريخ ولا الهوية العمانية الأصيلة حيث كان يحرص جلالته في جولاته السنوية على الالتقاء بأبنائه وجهاً لوجه يستمع إلى شكواهم وينصت إلى أراءهم ويتخذ ما يلزم فوراً من أجل ضمان أفضل سبل العيش للعمانيين أينما كانوا على هذه الأرض الطيبة.
كذلك فإن جلالة السلطان المعظم يحرص كل الحرص على أن يسود الامن والاستقرار ربوع العالم وأن تعود السلطنة لتلعب دوراً حيوياً في نشر الخير والسلام في ربوع الكون. سعى جلالته من أجل إقامة دولة تفخر بتراثها وتواكب في نفس الوقت متطلبات العصر الحديث وقد قال جلالته في خطابه السامي “ إن العالم الذي ورثناه عالم أصبح يسود فيه العنف والقهر وخرق القانون. هناك عنف وقهر في معظم أجزاء العالم وهو ما يدعو في الكثير من الأحيان إلى القلق على مستقبل الإنسانية. على أية حال فإن لدينا الإيمان بأنه سيأتي اليوم الذي يمكننا أن نقهر فيه مثل هذه الممارسات القادمة. هذا هو هدفنا الذي نسعى على تحقيقه”.
ظل السلام دوماً أحد المكونات الأصيلة للسياسة العمانية وسعى جلالته دوما منذ توليه مقاليد الحكم في بداية عصر النهضة إلى نشر السلام والأمن في كل مكان. يعتمد تبني هذا الأسلوب على أن إقامة دولة عصرية يحتاج إلى توفير متطلبات خاصة يأتي في مقدمتها توفير المناخ المناسب لنشر السلام على المستوى المحلي والإقليمي والدولي. يأتي السلام في قلب السياسات العمانية السمحة التي تحكم تعاملات السلطنة مع جيرانها في دول الخليج العربي ومحيطها ومع سائر دول العالم. تتمتع السلطنة، بفضل التوجيهات السامية وإيمان جلالته الأكيد بأهمية نشر السلام والأمن في كل مكان، باحترام كبير من سائر دول العالم ويقدر لها الكثير قدرتها على التعبير عن رأيها تجاه مختلف القضايا والتطورات في منطقة الخليج العربي وعلى الصعيد العربي والدولي بمنتهى الانفتاح والشفافية والوضوح.
من بين المبادرات التي يقدرها العالم جائزة السلطان قابوس لحماية البيئة وهي أول جائزة عربية يتم منحها على الصعيد العالمي في مجال حماية البيئة. تأسست الجائزة في عام 1989 بمناسبة زيارة جلالة السلطان المعظم لمقر منظمة اليونسكو في ذلك العام. يتم منح الجائزة كل عامين، عن طريق برنامج الإنسان والمحيط الحيوي التابع لليونسكو، للجهات والأفراد والمجموعات الرائدة في مجال الحفاظ على البيئة والتي تلتزم بتنفيذ سياسات وبرامج اليونسكو الرامية إلى الحفاظ على البيئة في كل مكان.
دار الأوبرا السلطانية مسقط
يولي جلالة السلطان المعظم أهمية كبيرة للعلوم والثقافة في سلطنة عمان. تم افتتاح دار الأوبرا السلطانية في أكتوبر عام 2011. كما قام جلالة السلطان المعظم بافتتاح المركز الثقافي في جامعة السلطان قابوس كجزء من الاحتفالات بالعيد الوطني كما تم وضع حجز الأساس لإنشاء مركز السلطان قابوس الثقافي في صلالة بمناسبة الذكرى الأربعين لليوم الوطني.
الكراسي الأكاديمية
تم تأسيس عدة كراسي أكاديمية باسم جلالة السلطان قابوس المعظم لدراسة الحضارة العربية والإسلامية ودعم التفاهم والحوار بين الحضارات. يوجد حاليا كراسي للسلطان قابوس في 16 من أعرق الجامعات على مستوى العالم مثل هارفارد وجورج تاون في الولايات المتحدة وكامبردج في المملكة المتحدة وملبورن في استراليا وأترخت في هولندا وجامعة بكين في الصين وجامعة طوكيو في اليابان وجامعة لاهور في باكستان إلى جانب العديد من الجامعات على مستوى الخليج والعالم العربي والإسلامي.
كرسي سلطان عمان للدراسات العربية والإسلامية
استراليا: في مجال التعليم، تم التوقيع على اتفاقية في مارس 2003 مع جامعة ملبون لإنشاء كرسي السلطان قابوس للدراسات العربية والإسلامية ليكون آخر المنح التي يقدمها جلالته للجامعات الراقية في مختلف أنحاء العالم. يعتبر هذا الكرسي مثال بسيط على دور جلالته في دعم التفاهم والحوار بين الحضارات والشعوب.
كرسي إدارة المياه والتنوع الاقتصادي
في 14 ديسمبر 2005 وفي أكاديمية روزفلت التابعة لجامعة الترخت في هولندا، قررت الحكومة الهولندية تدشين كرسي جلالة السلطان تقديرا لمساهمة جلالته وجهوده في نشر الأمن والسلام وتعزيز التعاون الدولي وتحويل السلطنة إلى دولة عصرية متكاملة الأركان في ظل قيادته الحكيمة.
الجوائز
بموجب المرسوم السلطاني رقم 18/2011 في 27 فبراير 2011، تم إنشاء جائزة جديدة تسمى جائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والأدب وهي الجائزة التي لها نسختين الأولى هي جائزة جلالة السلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب على مستوى السلطنة والعالم العربي بينما الجائزة الثانية تكون على مستوى السلطنة فقط. يتم اختيار فائز واحد في كل فئة من الفئات الثلاث وهو ما يعني أن هناك ثلاثة فائزين في كل عام – واحد في مجال الثقافة وواحد في مجال الفن وواحد في مجال الأدب.
كذلك تم تدشين جائزة السلطان قابوس للعمل التطوعي لتشجيع العمل التطوعي ونشر ثقافة التطوع في السلطنة من أجل خدمة الأسر والمجتمعات المحلية في كافة أنحاء السلطنة. تعتبر المنظمات الأهلية الموجودة شركاء في عملية التنمية المستدامة على أرض السلطنة وقد تم تصميم هذه الجائزة بهدف تشجيع هذه الجمعيات وشركات ومؤسسات القطاع الخاص على التنافس فيما بينها من أجل خدمة المجتمع وزيادة التعاون والتكافل والتعاضد بين أبناء المجتمع الواحد وتعزيز الإحساس بالمسؤولية الاجتماعية.
شكر خاص لوكالة الأنباء العمانية لمساهمتها في توفير مجموعة من الصور الخاصة بجلالة السلطان حفظه الله